بين التعاسة والسعادة … حياة المبتعثين
يقضي الطلاب اليمنيون المبتعثون في الخارج إجازتهم الصيفية تحت أزمة تأخر المستحقات المالية لهم، أو إسقاط بعضهم من كشوفات المنح الدراسية، أو تعثر بعضهم في التخرج، هذه الصور تنقلها لنا صفحة “الطلاب اليمنيون في الخارج” على الفيس بوك، حيث تظهر احتجاجات الطلاب في دول عدة أمام الملحقية الثقافية اليمنية، وأمام محاولة إيجاد أسباب وحلول هذه المشكلة، نظل في دائرة من الاتهامات المتبادلة بين كل من السفارات اليمنية وملحقاتها الثقافية، وبين وزارة التعليم العالي، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية، حيث يرشق كل منهم الآخر بتهمة التسبب في معاناة الطلاب، ويقف الشارع اليمني خصوصاً، ومسؤولو الدول الأجنبية حيارى أمام هذه الأزمة، إذ أنذرت بعض الجامعات الأردنية والماليزية والروسية وغيرها الطلاب اليمنيين بالفصل ما لم يسددوا الرسوم الدراسية، وفي الجانب الآخر تفشت ظاهرة العمالة الطلابية من أجل جني لقمة العيش في ظل تأخر المستحقات المالية لهم، وبدأت جذور الأزمة بالظهور بعد تنحي الرئيس الراحل/ علي عبدالله صالح عن الحكم، فتشكلت الأزمة بدايةً بحكومة باسندوه، مروراً بحكومة بحاح، وصولاً إلى حكومتين، حكومة الشرعية بقيادة بن دغر، والحوثية بقيادة بن حبتور، ووسط كل هذه الحكومات فهناك تراشق حزبي بينهم، وكل يتهم الآخر بالتسبب بمعاناة الطلاب.
في الجانب الآخر … يعد طلاب المنح الدراسية الخارجية على حساب الحكومات الأجنبية، الأسعد حظاً من بين أكثر من عشرة الآف طالب يمني مبتعث إلى 32 دولة للدراسة الجامعية بكافة درجاتها، وهناك أشخاص آخرون يعيشون الحظ السعيد، وهم طلاب مؤسسة الصندوق الخيري لدعم المتفوقين وطلاب مؤسسة حضرموت للتنمية البشرية، والتي يقودها رجال أعمال سعوديون ذو أصل حضرمي، على مساحات شاسعة من شرق وجنوب اليمن.
ولو تعمقنا في كلا الاتجاهين لوجدنا الفارق بينهما والسبب الذي يكمن وراء تعاسة بعضهم وسعادة الآخر.
القضية جذبت انتباه وسائل إعلام محلية ودولية، كالقنوات الفضائية ( يمن شباب، وبلقيس، وصنعاء، والشرعية، والجزيرة) وصحف مثل: يمن برس والمشاهد و”من الداخل الماليزي”، حيث أن الاحتجاجات الأخيرة التي وُجِهَ بعضها بالقوات الأمنية أثار حفيظة الشارع اليمني تجاه الشرعية وتعاملها مع الطلاب، وكذلك نهب الحوثيين لمستحقات الطلاب من البنك المركزي تحت مبرر “المجهود الحربي”.
وكلما نريد أن نعرفه في هذا التحقيق: من المتسبب بالأزمة التي ظهرت منذ 2010م، وأوصلها إلى أسوأ صورها بعام 2018م، وهل يعد الدعم الخاص بديلاً عن الدعم الحكومي مؤقتاً مع أزمة الحرب في اليمن، وتوقف الملاحة الجوية إلى العديد من الدول؟ ، وما دور الطالب المتعثر في الأزمة، وهل صحيح أن الطلاب جزء من المشكلة؟
في ظل حكومة باسندوه، إرث المفسدين وفساد الوجاهات يطغى على شرعية الدولة، الطلاب يتعاقدون مع السفارة حول الفساد المالي
عندما تولت حكومة باسندوه مقاليد الحكم في اليمن استناداً للمبادرة الخليجية، وحيث أنه كان لهم بصمة في مؤتمر الحوار الوطني الذي يقتضي بالكفاءة في التوزيع العادل بين الأقاليم، لكن وجدنا عكس ذلك، فإقليم حضرموت بأربعة محافظات أعطي 52 منحة سنة 2014، و إقليم آزال 137 منحة ، مع العلم أن أفضل منطقة طبقت فيها الخطة التعليمية هي حضرموت حسب تصريح الأشول – وزير التربية والتعليم سابقاً- فهناك متنفذون في السلطة اليمنية يعاني أبنائهم من خريجي الثانويات إسهال في الدرجات لحد جيد أو جيدجداً، يتم تقديم هؤلاء على ذوي الكفاءة من الطلاب المتميزين والمؤهلين للدراسة في الخارج، لأنهم أبناء المسؤولين، وهذا ما صار مع المنح المقدمة لإقليم حضرموت (محافظة المهرة)، حيث أُخِذَ منها منح لصالح أبناء المتنفذين من ال (السماوي)
وهذا التنفذ من جملة الأسباب التي بدأت معها تعاسة المبتعثين، إذ أتى قرار حكومة باسندوه في 13/2/2014م بوقف الدعم المالي للطلاب المبتعثين في ماليزيا، حيث أوردت صحيفة من الداخل الماليزي على لسان أحمد الربيعي – مدير عام البعثات والمنح الدراسية في اليمن بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي قوله: أن مستوى التعليم في الجامعات الأهلية في ماليزيا أدنى من الجامعات الحكومية، وأن الرسوم الدراسية في الجامعات الخاصة تصل إلى ثلاثة أمثال الجامعات الحكومية.
وقال: أن تكلفة الدراسة في إحدى الجامعات الماليزية العامة يقرب من (US $ 1500) (RM 5000) في السنة، في حين أن تكاليف التعليم الجامعي الخاص حول ( US $4500) (RM15000)، ويتم الإنفاق على 9000 طالب يمني بينهم أربعة الأف في الجامعات الخاصة، وأن الحكومة لا تستطيع تغطية سوى 1500 دولار مع الراتب الشهري لكل سنة دراسية
إذن هنا السؤال: لماذا أعلنت الحكومة وقف الدعم المالي عن الطلاب في ماليزيا وهل كانت تدري بأمر الأربعة الأف؟
تحدثت إلى أحدى الأكاديميين الذي تم ابتعاثهم للخارج قبل وبعد الوحدة اليمنية، فضّل عدم ذكر اسمه، حيث قال: أن السبب وراء القرار الأخير هو الفساد الذي تقوم به السفارة في ماليزيا بمعية بعض الطلاب، حيث يسافر الطالب إلى ماليزيا دون أن يدري أين الجامعة التي يقصدها، و لكنه يعرف تسعيرة الرسوم الدراسية في الجامعات الحكومية والخاصة، وممثلي سفارة اليمن في ماليزيا بانتظاره لكي يحدد وجهة الجامعة التي يريدها، يقوم هذا الطالب بطلب الدراسة في الجامعة الخاصة بـــ 4500 دولار سنوياً، وتقوم السفارة بمناولته المبلغ أو بطريقة أخرى ليكون هو مسدد رسوم الدراسة، فحينها يقوم الطالب بالدراسة لأول سنة في الجامعة الخاصة ، ثم يقوم بالتحويل في السنة الثانية للجامعة الحكومية بـــــ 1500 دولار سنويا ليستفيد 3000 دولار سنوياً مقسمة بينه وبين موظفي السفارة.
وللربيعي وموظفي مكتبه دوراً في الفساد، حيث نقلت صحيفة “نبأ نيوز” اليمنية بعام 24/10/2010 عن مسئول بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن عصابة مسلحة يقودها أحد الطلاب المتعثرين دراسياً خارج اليمن والذي ألغيت منحته مؤخراً، اختطفت مدير عام البعثات بوزارة التعليم العالي أحمد الربيعي بحي شملان بأمانة العاصمة ، واقتادته لمكان مهجور خارج العاصمة وتركه مكمماً ومربوطاً ليلة كاملة، قبل تمكنه من الزحف إلى خارج المبنى الذي وضع فيه لطلب النجدة بمساعدة قاطني المنطقة.
وطالب الخاطفين – وفقا لمقربين من مسئول البعثات – بإعادة منحة طالب متعثر يدرس في الخارج وهو شاكر صالح مطهر ثوابه، وهددوه بالقتل هو وأسرته ، مخاطبينه أن ما حدث هو رسالة لوزير التعليم العالي واللجنة المكلفة بمراجعة وتصحيح أوضاع الطلاب المبتعثين في الخارج، حيث أن الطالب يدرس في الأردن منذ العام 2003 تخصص علوم مالية ومصرفية وتم إيقاف مساعدته المالية منذ الربع الأول 2010.
وهنا نثبت صحة ما نقول بأن الطالب شريك في الفساد مع وزارة التعليم جنباً إلى جنب، فكيف يصرف مستحقات مالية لطالب مثل هذا أخذ مهلة سبع سنين في تخصصه، خصوصاً أن قمنا بمعاينة التخصصات في جامعات أردنية حيث وجدنا أن التخصص كحد أقصى له يصل إلى أربعة سنين نظامية.
وهنا تأتي إحصائية قديمة لوزارة التعليم العالي منذ يناير 2009 وحتى 30 سبتمبر، حيث أشارت إلى وجود حوالي 2056 طالب متعثر، وهذا إرث ورثته حكومة باسندوه بعد أزمة احتجاجات اليمن 2011.
هنا يأتي السؤال مجدداً: ألم تبادر الحكومة إلى التعرف على هذا الواقع، أو على الأقل تطهير وزارة التعليم العالي من الفساد الذي تسبب بهذه المأساة؟
نقلت عدة صحف يمنية بعام 2012 أن وزير التعليم العالي بحكومة باسندوه، الدكتور يحي الشعيبي أجرى استبيان في وزارة التعليم العالي على الموظفين الأكثر فسادا في الوزارة ليتم بعد ذلك التصحيح والمراجعة والمحاسبة وقد تم ذلك الاستبيان باستخدام صناديق وشكلت لذلك لجان ومشرفين على الصناديق وقام موظفو الوزارة بالتصويت على الأكثر فسادا في الوزارة.. ووصفت المصادر بأن موظفو التعليم العالي ابتكروا بهذا الاستبيان طريقة حضارية للتعبير عن رفضهم للفساد دون الفوضى وتعطيل المؤسسات بالاحتجاجات الممنهجة التي شهدتها بعض المؤسسات مؤخرا .. وكانت نتيجة الاستبيان في وزارة التعليم كالآتي:
1- د.عدنان ناشر – مدير عام المؤسسات التعليمية
2- أنس سنان – مدير عام النظم والمعلومات
3- رشدي الكوشاب – مدير عام مكتب الوزير السابق
4- أحمد الربيعي – مدير عام البعثات
5- محمد الحاصبي – أمين الصندوق
6- أمين الحيدي – رئيس قسم المراجعة بالحسابات
7- مجيب السلمي – رئيس قسم الموازنة السابق
وبحسب المصدر فقد تم عمل محضر بالنتائج وأحيل إلى الوزير، وكما قال المثل: حاميها حراميها، فالفساد لم يبدأ من الخارج قبل الداخل.
الخطوة رحب بها الكثيرين في سبيل تصحيح مسار الابتعاث، لكن سرعان ما تم استبدال الشعيبي بالوزير الأخير في حكومة باسندوه وهو هشام شرف (وزير خارجية في حكومة الحوثيين حالياً) الذي أقال الربيعي، ووجه أصابع الاتهام إلى وزارة المالية بتأخير مستحقات 7000 طالب وطالبة مبتعثون بالخارج، وحرمان أكثر من الاستحقاق المالي للربع الثالث من عام 2014.
إذن بهذه الخطوة، تنضم وزارة المالية إلى قائمة المعرقلين لمسيرة الطلاب الأكاديمية والتي يروح ضحيتها شباب وشابات ينشدون مستقبل لوطنهم فور عودتهم من بلد الدراسة.
حكومة بحاح ترث الفساد وتورّث أزمة المبتعثين دون علاج
بقدوم حكومة بحاح في أواخر سبتمبر 2014، ما زالت المشكلة قائمة ومتفاقمة إلى حد ملحوظ، فقد بدأ سبعة طلاب مبتعثون لجامعة الملك فهد بالسعودية يوجهون نداء لوزير التعليم العالي الدكتور محمد المطهر يطالبون فيه بصرف مستحقات مالية لهم من الجانب اليمني إلى جانب مستحقاتهم من الجانب السعودي، وذلك أسوة بسبعة من أبناء المسؤولين والمتنفذين تحت (قانون البعثات وقرار وزير التعليم العالي، ولجنة الإيفاد والبعثات) وهذه التي كانت وراء إقالة الربيعي بعهد الوزير شرف.
أن الطلاب هم جزء من المشكلة نفسها، والمعلوم للكل بأن المستحقات المالية لمنح وزارة التعليم السعودي تصرف من الجانب السعودي وفق قانون مجلس الوزراء السعودي المتعلق بطلاب المنح الدراسية.
لكن الفساد المالي له نكهة لدى هؤلاء، لا تجدها لدى المدعومين عبر الحكومات الأجنبية والقطاع الخاص حيث الكفاءة والنزاهة.
واستمرت الأمور على هذا الحال حتى اندلاع الحرب في اليمن مطلع 2015م، حيث بدأت فيها فصل من الفصول الجديدة لمعاناة الطلاب اليمنيين، وهو سيطرة جماعة الحوثي على مستحقات مالية لهم بالبنك المركزي، لكن ووفق تصريح بعض الطلاب المبتعثين إلى الأردن بأن التأخر في صرف مستحقاتهم يمتد بالأسبوع والأيام، وفي هذا الصدد فقد وجهت حكومة الشرعية اتهامها لجماعة الحوثي بالمسؤولية الكاملة عن التأخير وصرف جزء من تلك المستحقات لما تسميه الجماعة بــــ “المجهود الحربي”.
ومع هذا التأخير لم يكن هناك انقطاع في صرف المستحقات المالية حتى جاءت الحكومة الأخيرة بقيادة “بن دغر”، الرجل الذي مكث في سلطة صالح قبل انشقاقه، والأعرف بأمور الدولة هناك، وهنا الفصل الأشد في المعاناة، ولعل لعز من ألغاز هذه القضية يجد جوابه لدى “بن دغر” حول الأزمة المالية التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.
حكومة بن دغر ... وعود حكومية بالحل المستعجل ... صمت السفراء والملحقين ... المتنفذون والمسؤولون ينعمون بخير
وصل د. أحمد عبيد بن دغر إلى رئاسة الوزراء في 4/4/2016، ووزير التعليم العالي د. حسين عبدالرحمن باسلامة في 18/9/2016، تاريخ الوصول لكليهما رافقه أحدث مهمة تسجل لحظة فاصلة في اشتداد معاناة الطلاب في الخارج، ومقابله ظهور طفرة جديدة من الفساد، وتحويل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016 كان له دور كذلك، حيث ألتقت كل هذه الأحداث بشهر واحد، ولنبدأ مع وثيقة كشفها رئيس لجنة التدريب في نقابة الصحفيين اليمنيين/ نبيل الأسيدي عن تدخل عسكري من قبل رئيس هيئة الأركان العامة بقوات الشرعية/ محمد علي المقدشي والذي وجه خطابه للملحقية الثقافية في كولالمبور حول اعتماد مستحقات مالية للربع الرابع من عام 2016، حيث عبرت عن التوآم في الفساد بين الشرعية والحوثية، وضمت هذه القائمة الاسماء التالية:
* نجل شقيق اللواء المقدشي – رئيس هيئة الاركان
* نجل الشيخ صغير عزيز
* نجل صالح شعبان – وزير المالية في حكومة الحوثيين
* نجل العميد أبوبكر الغزالي- أركان حرب الحرس الجمهوري التابع للرئيس السابق/صالح.
* نجل العميد عباس المضواحي- مدير التموين بوزارة الدفاع التابعة للحوثيين.
* نجلا العميد عزيز الحجيري – مسئول حماية الرئيس السابق/صالح.
* نجل العميد صادق سرحان – قائد اللواء22 مشاة في تعز.
* نجل رشدي الكوشاب – الملحق الثقافي في ماليزيا.
بالبحث وقبل أن نتطرق إلى تأثير تحويل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، نتوقف مع اسم لفتَ انتباهنا وقمنا بالبحث عن تفاصيل عمله، لنجده ضمن قائمة المفسدين، ولنؤكد للعيان مرة أخرى أن للسفارات اليمنية وملحقياتها دور في زيادة معاناة الطلاب، ومع رشدي الكوشاب الذي لا يعرف حاله، أهو طالب جامعي أم مستشار ثقافي بسفارة اليمن لدى ماليزيا؟
حيث نشر نبيل الأسيدي وثيقة تثبت أن الكوشاب يأكل بكلتا يديه، حيث تعود الوثيقة إلى 25/9/2017 حينما أمر بصرف 2000 رنجت ماليزي من حساب الملحقية إلى حساب الطالب “رشدي الكوشاب” و يلاحظ بالوثيقة توقيعه فقط ودون توقيع السفير د. عادل باحميد.
لكن شركاء الفساد معه هم مجموعة من طلاب وغيرهم من مسؤولين، فبعد أسبوع من الصرف يأتي قرار صرف الكوشاب من منصبه، وإحالته إلى التحقيق، كما أفادت بذلك مذكرة السفير باحميد إلى وزير الخارجية اليمني/ عبدالملك المخلافي.
ومما دفع باحميد لاتخاذ هذه الخطوة هو قيام الكوشاب بإرسال خطاب رسمي للسفير يطالبه فيها توضيح المستحقات المالية للطلاب، والتي صرفت دون علم الملحقية بأمر من السفير ومستشاره المالي.
ولو عدنا إلى رواية الأكاديمي المبتعث الذي شرحنا لنا منظومة الفساد بين طالب المنحة والسفارة، فقد وجدنا ذلك التفسير مطابقاً تماماً لما وجدناه من وثائق تثبت تورط الملحقية الثقافية بماليزيا بتجاوزات مالية، حيث صرفت مستحقات مالية لطلاب غير مسجلين بكشوفات التعليم العالي، وذلك مقابل حصة تنالها الملحقية من تلك الأموال المصروفة لمن لا يستحقونها من الطلاب.
وقد يقول البعض أن تدخل السفير في صلاحيات الملحقية الثقافية أمرٌ مخالفٌ للقانون، من أجل إيقاع السفير في مشكلة لها عمق تحزبي، لكن ما شفع للسفير تدخله هو تطبيقه للتعليمات القاضية بالصرف للكشوفات المرسلة من قبل وكيل قطاع البعثات في التعليم العالي د. صالح العبد، إضافة إلى إقرار الوزير باسلامة بقرار الإقالة بعد شهر من صدوره، وأيضاً أن الكوشاب كان يردد نفس المشكلة ضد المستشار المالي للسفير السابق قبل تسلم باحميد مهامه في 3/12/2016، حيث يقوم الكوشاب بتحريض الطلاب ضد السفيرين.
وخطوة إقالة الكوشاب بنظر البعض هي محاولة لإيقاف الفساد عند حده، بينما ينظر الطرف الآخر على أنها تستر لقرار وزير التعليم العالي ووزير الخارجية القاضي بإضافة 250 اسم لقائمة كشوفات المستحقات المالية، وهذا ما رفضه الكوشاب، لأن ذلك يساهم في مضاعفة الأزمة المالية للطلاب، ولا ننسى أن فيهم المتعثرين.
وبين الطرفين طرف محايد يحمل الكل مسؤولية الأزمة، فالكوشاب ثبت بحقه ذلك، لكن ما سيأتي معنا خلال التحقيق ما يثبت تورط الطرف الأخر في هذه الأزمة بشكل أكثر وضوحاً.
وإذا ذهبنا إلى الملحقية الثقافية بالقاهرة، ومع الملحق/ وهيب خدا بخش، المطبق لنظرية “حاميها حراميها” حيث يدعي أنه يحارب إعطاء المنح لأبناء الدبلوماسيين، وذلك بعد إقالته وإحالته للتحقيق، بالرغم من أن زوجته ضمن من أعطيت لهم منح بأمره، إضافة إلى ما وصفه البعض بالاختلاس المالي الذي قام به بخش تحت مسمى “سلفة راتب” بقيمة 80 ألف دولار من حساب المستحقات المالية للطلاب.
وكما أشارت صحيفة “عدن نت” في تقريرها أن قرار تعيين بخش مخالفٌ لقانون التعليم العالي والبحث العلمي؛ لكونه طالب متعثر في دراسة الدكتوراه، والقانون يمنع تعيين أي طالب مستشاراً ثقافياً، علاوة على عدم حصوله على شهادة الدكتوراه إلا بعد تسع سنوات من الابتعاث، كما وتم إلغاء قرار ابتعاثه من قبل رئيس جامعة عدن في عام 2014 ولم يحصل على الدكتوراه إلا في عام 2017 بعد تعيينه مستشاراً ثقافياً في السفارة بالقاهرة .
إذن لدينا اثنين من الملحقين الثقافيين اليمنيين تم إقالتهما على خلفية الفساد، مع العلم أن الفساد لم يتوقف حتى اللحظة.
وبالعودة إلى تحويل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016 ودوره في ازدياد معاناة الطلاب، فقد ظهر في أحدى مقاطع الفيديو طلاب من الأردن يبدون فيها تذمرهم من تأخر مستحقاتهم بالأشهر، وذلك بعد نقل البنك المركزي، إضافة إلى إيقاف مستحقات 115 طالب مبتعث، حيث يبلغ العدد الإجمالي للمبتعثين بالأردن لغاية 2017 (587) طالب وطالبة، وتبلغ المكافأة لدرجة البكالوريوس: 1800$ لكل 3 أشهر، بينما طالب الدراسات العليا: 2100$ لكل 3 أشهر، حيث تصرف المكافأة كل ثلاثة أشهر.
وبين الحوثية والشرعية تراشق اتهامات حول المتسبب في ذلك، حيث قال عبدالكريم الروضي – وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات في حكومة الحوثيين المسماة بــ “حكومة الإنقاذ الوطني”: بمجرد ما تحول البنك المركزي إلى عدن حصلت المشاكل، وأوقفوا التحويلات وأثر ذلك على الصرف على الملحقيات الثقافية والطلاب بالخارج، حيث يتم الصرف لبعضهم والبعض الآخر لا.
بينما يرد الملحق الثقافي لدى الأردن د. عبد الكريم الورافي بأن الأزمة ليست وليدة اللحظة عند تحويل البنك المركزي، بل بدأت مع انتقال الطلاب اليمنيين بسوريا لإكمال دراستهم بالأردن، فراراً من الحرب المندلعة بسوريا سنة 2011، حيث قال: الأزمة السورية أثرت على الصرف المالي للطلاب اليمنيين المنقولين من جامعات سوريا إلى جامعات الأردن، وذلك بسبب السنين المعادلة لهم بالأردن.
طبعا لا ننسى خروج سفارة اليمن بسوريا عن سيطرة الشرعية واستيلاء الحوثيين على مستحقات الطلاب.
وأما عن الوضع الراهن فقد حمّل الورافي وزارة المالية مسؤولية تأخر السيولة، حيث جاء ذلك في كلمته أثناء احتجاجات الطلاب أمام الملحقية الثقافية في نهاية أغسطس 2016.
وفي محاولة لتوضيح الأمر أمام الرأي العام، فقد أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي د. حسين باسلامة بأن ما يجري هو بسبب الحرب المندلعة في اليمن، وأنهم بصدد رفع ذلك إلى رئيس الوزراء اليمني.
بينما يزيد علاوة على ذلك نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي في لقائه بالمبتعثين بالأردن في 8/8/2017 أن سبب الأزمة صعوبة تواجهها الحكومة في توفير السيولة المالية، حيث تعهد بحل مشاكل المبتعثين اليمنيين في الخارج.
ورغم ذلك فالتوضيح مشجوب من قبل وكيل وزارة التعليم العالي لقطاع البعثات والعلاقات الثقافية د. صالح العبد العولقي، الذي كشف الستار في منشوره على الفيس بوك بتاريخ 14/1/2018، حيث قال:
لجنة التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية مع الملحقيات الثقافية في ماليزيا ومصر يراد منها إسدال الستار على عملية نهب منظم لملايين الدولارات.
وفي الجانب الآخر يبين العولقي بأن الفساد قائماً على أصوله حيث قال في منشوره على الفيس بوك في 12/1/2018:
لقد تاهت توجيهات فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء، وأصبحت الآية مقلوبة؛ حيث يراد إغلاق باب المنح في وجه الأوائل وفتحه على مصراعيه لأبناء المتنفذين والواصلين، اعتذر، وأمام الملأ أناشد فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية التفوق العلمي.
ومع أن د. العولقي رجع بعد ذلك بخمسة أيام في منشور آخر ليشكر رئيس الوزراء اليمني على إسقاطه العراقيل أمام منح الأوائل، لكن لم يمضي على الشكر ثلاثة أشهر حتى عادت حليمة إلى عادتها القديمة، إذ كشفت وثيقة جديدة مؤرخة بشهر إبريل 2018، باعتماد منح لأبناء الدبلوماسيين بالسفارة اليمنية لدى الصين، وبموافقة من قبل الوزير باسلامة، حيث شملت التالية أسمائهم:
1- ” هيام ” ابنة السفير اليمني لدى الصين (محمد عثمان دبوان المخلافي)
2- “لمياء ولقاء” ابنتا نائب السفير أحمد مثنى قاسم .
3- “رائف” نجل الملحق الثقافي محمد عوضين ربيعة.
4- “روان” ابنة المستشار المالي فارس طاهر درهم.
5- “فارس” نجل القنصل عبدالله سنبل.
يتبع
الجزء الثاني