القاعدة الخمسية في تحديد الفكرة البحثية

بقلم الأستاذ: حسن محمد البيتي

مؤسس شبكة الأنباء الأكاديمية ومجلة أكابرس للنشر العلمي، ومستشار أكاديمي ومحاضر جامعي في جامعة الناس الأمريكية والجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا الأمريكية

التاريخ: يوم الإثنين 23 شوال 1446هـ الموافق 21 أبريل 2025

دائماً ما يحتار الطلاب في تحديد الفكرة البحثية التي سينطلقون منها باتجاه كتابة الورقة العلمية، وبعد خبرة 8 سنين في كتابة الأوراق العلمية ومطالعتها، وجدت أن الفكرة البحثية تتبع معايير محددة أجملتها في القاعدة الخمسية والتي اختصرها بمعادلة 5*5

الكل يعرف أن ناتج 5*5= 25، و25 هنا تعني 25 فكرة بحثية (كحد أدنى) بالإمكان استنتاجها وفق نظام المصفوفات، ولكن كل واحدة من هؤلاء الخمسة بإمكانها إنتاج أكثر من 25 فكرة بحثية.

على العموم نشرع في بيان معنى الخمسية بالمعادلة المذكورة على النحو الآتي:

الخمسة الأولى (أركان الاتصال البحثي): ونعني بهم خمسة عناصر لابد من معرفتهم عند التفكير بماهية البحث، وهم:

المرسل: ونعني به منفذ الفكرة البحثية، فقد يكون المنفذ باحثٌ واحدٌ، أو أكثر من ذلك.

الرسالة: ونعني بها هنا الإشكالية التي سيناقشها الباحث، فقد تكون الإشكالية مشكلة لم تحل بعد، أو حلت من زاوية محددة وتركت من جانب آخر، وقد تكون الإشكالية نموذج لعمل إنساني أو آلي لم يتم تطويره بعد، بما يتناسب مع متطلبات العصر.

الوسيلة: ونعني بها الأداة التي ستجمع بها بيانات البحث من عينة الدراسة بحسب الظاهرة المراد دراستها وشكل البيانات (نوعية، كمية)، فقد تكون عبارة عن استبيانات، أو تحليل مضمون لمنشورات، أو وثائق، أو مستندات، أو إجراء مقابلة علمية مع خبراء ومسؤولين ومن يقع عليهم تأثير الدراسة من الجمهور، وأخيراً الملاحظة العلمية بشقيها المنتظم وغير المنتظم.

المستقبل: ونعني بذلك أهمية الدراسة حيث نبين من المستقبل لفوائد الدراسة، ونبين له مبررات إجراء الدراسة.

رجع الصدى (التغذية الراجعة): وهي النتائج المتوقعة من هذه الدراسة، والتي ترتبط بتحقيق أهداف الدراسة.

 

الخمسة الثانية: (تأطير الفكرة): وهي مكملة للخمسة الأولى، ولابد من وضوحها في عنوان الدراسة، وفي منهجيته، وفي ملخصه، وهي على النحو الآتي:

زمن الدراسة: فلو أردنا الحديث عن نظرية الإدارة Z اليابانية في تطوير الإنتاج باليابان، فلا بد من حصر الزمن الذي نريد فيه الحديث عن هذا الأمر، مع تبيين السبب في “مبررات إجراء الدراسة”، فلنفترض أننا نود الحديث عن ذلك بين عامي “2021 – 2024” فنذكر على سبيل المثال في مبررات إجراء الدراسة أن ذلك عائدٌ إلى الأضرار المالية التي لحقت بالشركات اليابانية جراء جائحة كوفيد 19، فيصبح لدي الدراسة لها مبرر زمني.

ملاحظة: ضمن المعايير الدولية للمجلات العلمية، ألا تتجاوز الدراسات السابقة المذكورة في أي بحث 10 سنوات، ولدى البعض الآخر خمس سنوات، أمّا فيما يتعلق بالإطار النظري فيمكن تضمين كل الدراسات باختلاف الأعوام، وإنما المراد من التنبيه على موضوع الدراسات السابقة أن الدراسات السابقة هي محطة انطلاقة الباحث في تصميم الفكرة البحثية المختلفة عمّا سبقها، حيث يبرر الباحث بعد ذكر كل الأبحاث إلى الفوارق التي بين دراسته ودراسة من قبله، حيث يعدّ هذا التبرير إشعار للهيئة العلمية المحكمة بأن البحث فريد من نوعه.

مكان الدراسة: لابد من الحديث عن الدراسة في مكان يستطيع الباحث فيه للوصول إلى المعلومات، فلو أردنا مثلاً الحديث عن الإدارة بنظرية تايلور والتي تعنى بالإنتاج فقط دون الاهتمام بالإنسان واحتياجاته وفق هرم ماسلو، فلنختر دولة ينطبق فيها هذا الحال، ويمكن الوصول لقاعدة بيانات الشركات، أو الحصول على آراء المستجيبين، فلا يعقل مثلاً أن يختار الباحث دولة تتحدث بلغة لا يتقنها، أو دولة تفرض قيود على حرية الوصول للمعلومات، أو دولة يصعب الوصول إليها للبعد الجغرافي، أو أن الأمر يستغرق وقت كبير في التطبيق، فأبسط مثال لدينا الولايات المتحدة الأمريكية، فيها 51 ولاية، من الصعب تغطية جميعها، فلابد من أخذ ولاية واحدة فقط وتطبيق المعلومات عليها.

ومثال آخر من يريد الوصول للبيانات في كوريا الشمالية يصعب عليه ذلك نظراً لطبيعة النظام المانع لحرية المعلومات.

ومثال ثالث من يريد دراسة الأمر في دولة من شرق أفريقيا أو وسطها، وهو من قارة آسيا، فهنا سيجد صعوبة نظراً للتباعد الجغرافي وعدم وجود قواعد بيانات في دولة لم تواكب التقنية، كما هو الحال في بعض دول القارة السمراء.

المتغير المستقل: هو عامل يؤثر في عامل آخر ويمكن تسميته (السبب)، فمثلاً لو درسنا “تأثير جائحة كورونا في زيادة أرباح شركات التوصيل في عام 2020 بالسعودية” تعتبر جائحة كورونا متغير مستقل، وبالإمكان تعدد المتغير المستقل في البحث الواحد إذا كانت الظاهرة المراد دراستها تشكلها عدة عوامل، وكل ذلك يتحدد في فرضية الدراسة أو أسئلتها أو كلاهما، ويكثر في الدراسات التجريبية، ويترتب عليها استخدام تقنيات إحصائية لغرض قياس المتغيرات المتعددة.

المتغير التابع: هو عامل متأثر بفعل عامل آخر ويمكن تسميته (الأثر)، ومثاله من العبارة السابقة “زيادة أرباح لشركات التوصيل، وبالإمكان تعدد المتغير التابع في البحث الواحد إذا كانت آثار الظاهرة متعددة ويراد تحقيق فهم شامل للظاهرة، سواء كانت طبية او اجتماعية أو إدارية، فمثلاً تأثير الإجهاد الوظيفي (متغير مستقل) على الرضا الوظيفي والإنتاجية (متغيران تابعان)، وتحدد هي الآخر عبر فرضيات الدراسة أو أسئلتها أو كلاهما.

ملاحظة: يفضل في المراحل الأولى من حياة الباحث تناول متغير واحد فقط في كل من المتغير المستقل والتابع، والتعامل مع أسئلة الدراسة إذا كان البحث نوعياً، أمّا إذا كان البحث كمياً فيتم التعامل مع الفرضيات التي تستدعي التعامل مع المعادلات الإحصائية، والتي تستخدم فيها برامج التحليل الاحصائي، والتي تدرس بعضها كبرنامج R وبرنامج SPSS.

منهج الدراسة: ويحدد نوع المنهج بنوع الدراسة ذاتها، على النحو الآتي:

الدراسة النوعية: هي الدراسة التي لا تتضمن في الغالب بيانات كمية، ويستخدم في إجراء الدراسة إمّا المنهج الأنثوغرافي، أو دراسة الحالة، أو الظاهريات (دراسة أثر التجربة)، أو النظرية المجذرة (تطوير نظرية جديدة من البيانات)، أو البحث الاجرائي، أو البحث السردي.

مثال: قمت بإجراء دراسة تعتمد على البحث الإجرائي لغرض حل مشكلات عملية في سياق حقيقي، وكان عنوان الدراسة “طرق تبني ثقافة نشر النسخ الأولية في مجتمع البحث العلمي العربي” وهي منشورة في مجلة التطوير العلمي للدراسات والبحوث، واعتمدت في هذه الدراسة على حلول عملية تم تنفيذها بعد التخطيط والتقييم للتحديات، وذكرت في تحليلي للدراسات السابقة بأن كل الأوراق العلمية في الظاهرة محل الدراسة اعتمدت على البحث الكمي.

لتصفح الدراسة

البيتي، حسن. (2025). طرق تبني ثقافة نشر النسخ الأولية في مجتمع البحث العلمي العربي. مجلة التطوير العلمي للدراسات والبحوث، 6(21)، 214-237. https://doi.org/10.61212/jsd/314

الدراسة الكمية: هي الدراسة التي يعتمد فيها الباحث على البيانات الكمية، ويستخدم في إجراء الدراسة المنهج القائم على تحليل البيانات الكمية حسب نمطها: فالاستبانات بالمنهج الوصفي، والوثائق بالمنهج التاريخي، والتجارب الطبية والهندسية والزراعية بالمنهج التجريبي، بالإضافة لمناهج أخرى، وتحت كل منهج يندرج مجموعات فرعية، فالمنهج الوصفي يندرج تحته المنهج التحليلي، والمقارن، والمسحي، وهكذا.

مثال: إشارة إلى ظاهرة PrePrint التي تناولنها كبحث نوعي، فكل الدراسات السابقة التي تناولناها في الورقة المذكورة أعلاه تعد ذات توجه كمي، ومنها:

زايد، نورا. (2022). استخدام أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر للمستودعات المسبقة للطباعة Preprint Servers  مجلة قطاع الدراسات الإنسانية, 29(1), 1327–1404. https://doi.org/10.21608/jsh.2022.242604

 

تحليل الدراسة حسن البيتي نورا زايد
المرسل باحث واحد باحثة واحدة
الرسالة تطوير نموذج ذو صلة بالظاهرة محل الدراسة (بحث نوعي) التعرف على استخدام المستجيبين للنموذج ذو الصلة بالظاهرة محل الدراسة (بحث كمي)
الوسيلة الملاحظة العلمية، والتطبيق الاستبانة
المستقبل المؤسسات والأفراد في المجتمع العلمي منسوبي جامعة الأزهر
التغذية الراجعة تصميم نموذج محدث قابل للتطوير توصيات تصلح للبحث مستقبلاً
الزمان بناء على الدراسات السابقة فتبدأ دراسة الظاهرة منذ 2019
ووفقاً للمراجع التي احتاجها الباحث في الإطار النظري فأقدم مرجع نُشِرَ في 2001 لكونها دراسة شاملة
استناداً إلى المتغير التابع أو المستجيبين فبدأت الدراسة منذ 2021 وإلى 2022

ووفقاً للمراجع التي احتاجها الباحثة في الإطار النظري فأقدم مرجع نُشِرَ في 2014

المكان مجلة أكابرس للنشر العلمي في اليمن جامعة الأزهر في مصر
المتغير المستقل طرق تبني ثقافة نشر النسخ الأولية المعرفة بالمستودعات المسبقة
المتغير التابع نشر النسخ الأولية في المجتمع العلمي العربي استخدام أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر للمستودعات المسبقة
منهج الدراسة البحث الإجرائي المنهج المسحي

 

الختام

بعد تحديد كل ما ورد أعلاه يستطيع الطالب أن يقوم بصياغة المقترح البحثي وعنوانه بكل يسر وسهولة، أن هذه القاعدة العلمية ليست إلا نتاج سنين من المطالعات للأبحاث، حيث وجدت أغلب الكتب تتحدث عن شرح مناهج البحث العلمي، ولم تتطرق لشرح تكوين فكرة البحث العلمي وتأطيرها إلا فيما ندر.

وأنني أرجو أن يتطور هذا الأمر ليصبح محل نظر الباحثين والمؤلفين، وأن تطور القاعدة الخمسية بما يخدم مجتمع البحث العلمي

 

كاتب

Exit mobile version