تقرير: حبيبة الهوساوي، محمد مطهر
طالما يعاني خريجو أقسام الإعلام بالجامعات العربية من قيود تكبلهم فور التحاقهم بسوق العمل الصحفي، والتي لطالما كان النقاش حولها في كل مؤتمرات أريج السنوية السابقة، وخصوصاً بعد جائحة كورونا.
وفي ظل انعقاد المؤتمر لهذا العام تحت عنوان #صحافة_بلا_قيود، في مطلع ديسمبر القادم بعمّان، يظل التساؤل هنا: ما مستقبل الخريجين في نقابات الصحافة بالوطن العربي؟ وهل لا زال جانب الأمان الرقمي يؤرق الصحفيين حتى اللحظة منذ أحداث الاختراقات التي تمت عن طريق “بيغاسوس”؟ وكيف ستجد الخريجات أنفسهن بعد التخرج في ظل تنامي ظاهرة التحرش الجنسي التي جعلت منظمات إقليمية ودولية تنادي بضرورة حماية الصحفيات؟ ولا يزال السؤال الأهم من بين كل هذه التساؤلات: لماذا يترك بعض الصحفيين في مناطق النزاع والحروب دونما رعاية مهنية من الجهات الإعلامية التي وظفتهم لصالحها، ودنما حماية قانونية من الدول التي تكفل حق الوصول إلى المعلومات؟
أسئلة ينتظر الخريجون والخريجات من أقسام الإعلام من يعطيهم الجواب عليها قبل الوقوع في متاعب قد تنتهي بالموت أو القضاء على مستقبل المهنة لديهم.
بشروط صارمة
تعد النقابات الصحفية جزءً أساسياً من النظام الإعلامي، وتلعب دوراً هاماً في تنظيم المهنة وحماية حقوق الصحفيين، ورغم ذلك، يوجد تباين واضح بين سياسات النقابات الصحفية العربية والأجنبية فيما يتعلق بمنح العضويات للصحفيين الجدد ودعمهم، إلى جانب حماية الصحفيات من التحرش خلال أداء مهامهن الوظيفية.
في العالم العربي، تتسم النقابات الصحفية بشروط صارمة لمنح العضوية، كما تفرض هذه النقابات عادةً عقبات بيروقراطية تجعل الانضمام إليها أمراً صعباً على الخريجين الجدد، خاصة في ظل غياب الدعم المهني الكافي، كما هو الحال في مصر وهي صاحبة الصدارة في عالم الصحافة منذ نشأتها، حيث يجب على الصحفيين الخريجين تقديم إثباتات عمل لمدة معينة في مؤسسات إعلامية معتمدة؛ للحصول على العضوية.
في المقابل، تتميز النقابات الصحفية الأجنبية، مثل الاتحاد الوطني للصحفيين ببريطانيا، بسياسات أكثر شمولية ومرونة تجاه الصحفيين الجدد، بما في ذلك المستقلين، حيث توفر هذه النقابات موارد تدريبية ودعماً قانونياً ومهنياً شاملاً، مما يساهم في تعزيز المسيرة المهنية للصحفيين، وإلى جانب ذلك، تركز النقابات الأجنبية على حماية الصحفيين من الانتهاكات المختلفة، بما في ذلك التحرش والتهديدات أثناء أداء مهامهم.
وبين نقابات عربية وأجنبية، سعت أريج إلى سد هذه الفجوة من خلال تبنيها الموارد التدريبية والاستشارات القانونية لكل المستفيدين من الصحفيين والصحفيات في الوطن العربي، في ظل ندرة للمنظمات الإقليمية العربية المعنية بشؤون الصحافة عموماً.
في وجه التهديدات
في عام 2016، رفعت غريتشن كارلسون، مذيعة قناة “فوكس نيوز”، دعوى قضائية ضد مديرها التنفيذي روجر آيلز بتهمة التحرش الجنسي، هذه القضية أدت إلى استقالة آيلز وتعويض القناة لها بمبلغ 20 مليون دولار، وقد فتحت قضية هذه المذيعة نقاشاً كبيراً حول قضايا التحرش في الإعلام الأمريكي، مما ساهم في تسليط الضوء على قضايا مماثلة تعرضت لها العديد من الصحفيات في الولايات المتحدة، بينما هناك شبيهات كارلسون في الوطن العربي، ولا حياة لمن تنادي.
تواجه الصحفيات تهديدات جسدية ونفسية، أبرزها التحرش أثناء تأدية واجباتهن الميدانية أو في مكان العمل، وليس العالم العربي عنها ببعيد، حيث يتعرضن لذلك دونما عقاب، وقد كانت لقصص بعض الصحفيات شواهد مأساوية على ذلك رغم تباعد الزمان والمكان.
وقد تسببت بعض هذه الحالات في إجبار العديد منهن على مغادرة المجال الإعلامي أو تغيير مسارهن المهني، في ظل جهود متواضعة لحمايتهن، سواء على مستوى منظمات المجتمع المدني، أو الجهات الحكومية المعنية بحمايتهن، ففي الدول الغربية نجد حركة MeToo أمريكية المنشأ تساهم في تعزيز الوعي حول قضايا التحرش الجنسي، ويقابلها مبادرة “لن أبقى صامتة” في شبكة أريج الأردنية.
في قلب المدفع
يواجه الصحفيون في مناطق الصراع مجموعة متنوعة من المخاطر، منها الجسدية، النفسية، والقانونية، وكما هو حاصلٌ في غزة، قُتل أكثر من 174 صحفياً وفق تصريح المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في أقوى سابقة لانتهاك حقوق الصحفيين دونما حساب أو عقاب ينتظر قاتلهم من جهة، ودونما حقوق تحفظ لهم بعد مقتلهم إذ أنهم يعتبر بعضهم المعيل الأول لعائلته، والحال كذلك في اليمن، وسوريا، والعراق.
تعد السلامة المهنية أولوية بالنسبة للصحفيين العاملين في مناطق النزاع، حيث يتطلب الأمر تلقي تدريبات متخصصة حول كيفية التصرف في بيئات خطرة، بما في ذلك الإسعافات الأولية، والهروب من المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة.
ولا تزال الجهود المتواضعة التي تسعى لحمايتهم من قِبل منظمات دولية كالاتحاد الدولي للصحفيين، الذي يتبنى الملاحقات القانونية للمجرمين بحق الصحافة، كما أن شبكة أريج أطلقت نافذة للتبرع المالي لصالح الصحفيين في فلسطين.
ومن سلِم من الاعتداء الجسدي، فهو ليس بمأمن عن الاختراق الرقمي، وخصوصاً منذ قام أحد الشركات البرمجية في كيان الاحتلال الصهيوني بمنح برنامج “بيغاسوس” التجسسي لاختراق أجهزة الصحفيين، مما أسهم في قتل بعضهم، وتسريب مصادر البعض الآخر، في ظل غياب شبه تام لمواجهة هذا التحدي من نقابات الصحفيين، عدا ما قامت به شبكة أريج للصحافة الاستقصائية من إطلاق مشروع “السلامة أولاً” وجعل الأمر متاح عبر خدمة الدردشة السريعة بالواتساب لخدمة مجتمع الصحافة.
ووسط هذا النموذج من الحالة المأساوية للصحفيين، فقد يجد الكثير من الخريجين والخريجات أن مستقبلهم في هذه المهنة هي نعش الموت في ظل صمت دولي مطبق على الجرائم المرتكبة بحقهم، مما سيجعل مستقبل الصحافة يتراجع إلى الوراء شيئاً فشيئاً، فهل سيكون عام 2025 فأل خير على الصحافة وأهلها في الدول العربية، أم الانحدار إلى ما لا يرجى حصوله؟